مقال

لعلَّ «الخلافات» أقوى من الأماني

لو تصـوَّرنا وجود بيئة عمل هادئـة، خالية من الخلافات وتقلّ فيها الصعوبات والتحديـات، لظننا أن هذه البيئة تحمل أبعاداً من المثالية المفتقدة في عالم الواقع. لكن هذا الظن لن يصمـد طويلاً عند تعريض هذه البيئة لمقياس أعمق يقيّـم فاعلية بيئة العمل استناداً إلى غاية وجودها بدلاً من مثالية جوها. ذلك المتطور الأشمل يُظهر أن هذه البيئة المُبتغاة تفتقد إلى عنصر أساس للفاعلية والتطوير، ألا وهو فن التعامل مع الاختلاف وتقبل فكر الآخر، إن ظهور الخلافات المستندة لأهداف وغايـات نبيلة في بيئة العمل مؤشر إيجابـي يدل على كفـاءة هذه البيئة وشفافيـة عنـاصـرها البشرية، لكن ولتحقيق الفائـدة من الخلاف الناشـئ يتحتم توافر لياقة التقبل والطرح لوجهات النظر، التي غالباً ما تكون مخالفة للفـكر السائد في إطار أخلاقي وعملي يضمن تمام وصول الفكرة من مصدرها لمتلقيها، مع احترام الأفراد والقيم والتنظيم ودون المسـاس بشخص أو تجريـح منهج أو تعدٍّ على قيمة أو تقليل من مسؤولية، فليس الخلاف مجرداً هو ما نتقيه، بل سوء الأخلاق المُصاحب له، لأن افتقار طـرح الرأي المخالف واستقباله أخلاقيات رفيعة قد يحيد بالحوار عن حيزه الموضوعـي عن البناء إلى نطــاق مواجهات شخصية هدّامة، مؤثراً سلباً على روح العمل وتعكيـر صفـو جوهـا وإخلال وحدتها وتقليل فاعليتها، وبالمقابل من هذه الصورة إن كانت بيئة العمل حاسمة في منع ظهور حتى الاختلافات الموضوعية إما تماسكاً بالطرق القائمة أو طمعاً في الحفاظ على استقرار وهدوء دائم، فإنها ستكون واقعة في فخ المثالية المزعومـة، في كلتا الصورتيـن يتضح أن انعدام القابلية لاستثمار وجهات النظر المختلفة هو عائق خفـي للوصول لبعد غير مسبوق للفاعلية والتطوير. فعلاً عند تقييم محصلة اختلافات الرأي في بيئة عمل يتضح دوماً أن منها ما تمخضت عنه أفكار قيّمة ونتائج مثمرة، إن كل اختلاف من وجهة نظر المتطلع للتطوير ما هو إلا فرصة ثمينة للتعبير والتأثير والتغييـر، وقد يكون بداية مناسبة لاختبار حيثيـات مستجدة وتغييـر أساليب قد أثبتت نجاحها لزمن، لكن حان الوقت لغيرها أن تظهر، وربما بيئة العمل المثالية تؤمن بحتمية وأهمية وجود الخلاف، بل أيضاً تحوز على قدر وافٍ من ملكات التعامل مع الخلاف واستثارته وتوجيهه بما يسخِّره للكيفية التي تستثمر الطاقة الفكرية الكامنة فيه بعد تجريده من العد الشخصي.. إن كان منبع الخلاف التمسك بقيـم نبيلة ومشتركة، فعواقبه لا بد أن تحوي خيراً، لأنه اختلاف على السُّبل بعد اتفاق على المبادئ، وبيئة العمل المثالية هي القادرة على تطويع الخلافات الناجمة فيها لتحقيق أهدافها العليا دون أن تخـدش لها قيمـة.

 

 

 

صحيفة الشرق

الوسوم

نوال الهلالي

مشرفة القيادة المدرسية بمكتب التعليم بالقرى الباحة مدربة محترفةمعتمدة ماجستير قيادة، كاتبة، الطموح، الأمل،التفاؤل، الإصرار،ركائز مهمة في حياتي، سعادتي في إنجازي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى